الاستثمار نيوز
حوار : هدى منصور
تحرص دار الإفتاء على تقديم التوجيه الديني للمواطنين، وذلك من خلال إصدار الفتاوي والإجابات على الاستفسارات الماسة بشكل صحيح بعيداً عن التضليل
في فهم القضايا الشائكة ، مما يساعد في تعزيز الوعي والمعرفة الدينية للفرد والمجتمع، وهذا ما عرضه الدكتور عويضة عثمان أمين الفتوى بدار الإفتاء خلال حواره، بسؤاله
كيف يتم تحقيق التوازن بين الشريعة الإسلامية وتلبية احتياجات المجتمع المعاصر ؟
لابد أن نعرف أن أهم سمات هذه الشريعة أنها روحية تعبدية ، صالحة لكل زمان ومكان ، فلا يوجد فيها ما يناقض الطبع أو يعطل مسيرة الحياة ، هي شريعة تسير بالإنسان نحو الأفضل ، والأصلح ، مبناها على حفظ المصالح ودرء المفاسد.
والشريعة لا تخالف سعي الإنسان نحو المدنية ، ولا توقف تقدمه ، أو تعرقل خطاه ،بل تهذب طبعه وتضبط أخلاقه وتدفعه لخدمة مجتمعه، فقد نظرت الشريعة إلى العلم على أنه من أكبر النعم على الإنسان، فتلبية احتياجات المجتمع من كل وسائل الرفاهية والسعادة لا يتعارض أبدا مع مبادئ الشريعة.
هل هناك دور يقوم به أمين الفتوى في هذا الصدد؟
نعم، لابد أن يكون أمين الفتوى عالما بمقاصد الشريعة ، ملما بجوانب محاسنها حتى يجيب عما يرد عليه من شبهات لحقت بها.
ماذا عن طريقة التعامل مع القضايا الاجتماعية والأخلاقية الحديثه من خلال الفتاوى الصادرة عن دار الإفتاء؟
إن الإسلام يريد من الإنسان أن يكون سليما من الآفات والعلل البدنية والأخلاقية ، وطلب منه أن يسلك الطرق الصحيحة التي تؤدي به إلى عمارة الكون وتنميته ، من هنا كانت الأخلاق لها جانب كبير من نصوص القرآن والسنة ، فنلاحظ أن الآيات التي تأمربالعبادات قليلة جدا بالنسبة إلى الآيات التي تأمر بالأخلاق ، وتربية النفس وتهذيبها .
فركزت الشريعة على الإصلاح الداخلي الباطني للإنسان؛ لينشأ المجتمع طاهرا ، سليم القلب ، نظيف السلوك، وعليه ، فلابد للفتاوى أن تركز على جانب الإصلاح الخلقي والمجتمعي ، وإلا فقد أخطأت هدفها .
فالفتوى لها دورها الكبير في استقرار المجتمعات و تصحيح مسار أفراده ، وعلاج الخلل والقصور الذي يطرأ عليهم في حياتهم الخاصة والعامة، وشملت الفتاوى قضايا المرأة وحقوقها ، وفتاوى خاصة بقضايا الأطفال ، وذوي الهمم ، وفتاوى خاصة بالمسنين ونحو ذلك.
ما هي الأسس والمعايير التي يستند إليها أمين الفتوى في هذا الجانب ؟
لابد لمن يقوم بالإفتاء أن يكون دارسا لواقع الناس، ليس بمعزل عن مجتمعهم ، عالما بمدى التطور الذي يعتري حياتهم ، فيسفر عن أخلاقيات جديدة في التعامل تحتاج إلى ضوابط ودراسة شرعية للحكم عليها ، كالفتاوى الخاصة التي تعالج أخلاقيات التجارة الإلكترونية ،وأحكام إبرام العقود بهذه التقنيات ، والفتاوى التي تتعلق بالسوشال ميديا والألعاب الإلكترونية ونحو ذلك.
كيف يتعامل أمين الفتوى مع التحديات والمخاطر التي تنشأ عن الأفكار المتطرفة والمتشددة ؟
إن أكبر التحديات التي تواجه الدعوة والفكر الوسطي هو الفكر المتطرف ، ذلك الفكر الذي عانت منه مجتمعات ، ولاقت منه ويلات ، فكم دمر وخرب وأثار القلاقل والاضطرابات ، وقد وجد له متلقفين يستغلونه في تحقيق مطامعهم وأغراضهم.
لقد مهد الفكر المتطرف سبيلا لأعداء الإسلام ليتهموه بالتشدد وسفك الدماء ، فشوهوا الصورة الجميلة لهذا الدين عند الغرب ، فبان للآخرين كأنه دين يتعطش للدماء ، ويسعى للتدمير والخراب .
لقد أحب الإسلام الوسطية في كل شيء ،ودعا إليها في نصوصه، بل بين القرآن الكريم كيف نبر المخالفين لنا في الاعتقاد.
ولقد خرجت عشرات الفتاوى عن تصحيح مفاهيم فكرية طالما أتت بخرابها على المجتمعات ، وأثرها السئ على أفراده.
ماذا عن مبادئ التوجيهية التي يتبعها أمين الفتوى عند البحث والتدقيق في المسائل الشرعية ؟
إن كلمة ” أمين فتوى ” كلمة تحمل بداخلها معنى الإخلاص في تبليغ الفتوى ، مع أمانة النقل ، مع مهارة البحث والدقة في تحرير كلام الفقهاء
لذلك كان لابد لكل من يتصدر للإفتاء أن يكون : مخلصا في أداء رسالته ، أمينا في بحثه ونقله ، دقيقا في فهمه ، واسع الاطلاع ، متأنيا في إصدار حكمه على الواقعة التي أمامه ، لا يخجل أن يقول فيما قصرعلمه عن معرفته ” الله أعلم ” ويتوقف عن الإجابة ، حتى يكتمل عنده تمام بحث المسألة .
وهنا لابد من الإشارة إلى أن الفتوى في دار الإفتاء لا تخرج بصورة فردية ، كل أمين فتوى يدلي برأيه فيما يعرض عليه ،الأمر ليس كذلك ، وإنما هو عمل مؤسسي منظم تخرج الفتوى منه موحدة بعد دراسة وبحث ؛ لتعمل أثرها في استقرار المجتمعات والنهوض بها.
ما هي الدراسات التي تقوم بها مؤسسة دار الإفتاء للوصول إلى فتاوى دقيقة ومتوافقة مع الواقع الراهن ؟
أمناء الفتوى في دار الإفتاءالمصرية يتعلمون أهمية دراسة الواقع الراهن ، وأن الفتوى ما هي إلا حكم على نازلة في واقع الناس ، كما أنه لابد من التوسع في البحث في الفقه الموروث للوصول إلى أحكام للحوادث المستجدة، مع مهارة الربط بين القديم والحديث ، مع ترجيح الوسطية والتيسير على التشدد والتعسير.
والعصر الحالي الناس فيه قد قصرت هممهم ، وغلب عليهم التكاسل والزهد في فعل الخير ، فهم أحوج ما يكون إلى التيسير المنضبط ،غير المخل ؛ ليسيروا إلى الله أصحاء القلب والقالب قال سفيان الثوري ” إن التشدد يحسنه كل أحد ، وإنما الفتوى رخصة من ثقة.